IMG_3646

باسم الجابري / العراق …

في مثل هذا اليوم قبل عامين كنت انوي الاحتفال بيوم السلام العالمي في العاصمة بغداد برفقة عدد من الزملاء الاعلاميين والناشطين المدنيين ،ولعل لقاء صديقي الاعلامي وليد صكبان الذي لم التق به منذ خمس سنوات كان اجمل خبر جعلني استعد لحضور احتفال هذا اليوم ، اعددت العدة وجهزت نفسي لمغادرة مدينتي الصغيرة التي تبعد عن العاصمة بحدود (180 كم) .. وصلت الى بغداد فجر يوم الحادي والعشرين من ايلول ، شعرت انه يوم ليس كباقي الايام ، هناك هاجس يراودني لا اعرف مصدره ، حاولت ان استرجع بعض الذكريات مع وليد واستغرقت عميقا في حوادث جميلة واخرى حزينة جمعتنا سوية وخصوصا ايام الطائفية المقيتة التي عصفت بالعراق كان ضحيتها الالاف من الابرياء ممن قتلوا على الهوية ، ولعل ذكرى اعتقالنا انا  ووليد من قبلي مليشيات مسلحة لا نعرف انتمائها كان اهم حادث جمعنا حينها ، ولا زلت اتذكر عندما اتفقنا انا  ووليد على اجابة واحدة عندما يسالوننا عن طائفتنا ومذهبنا ، فكان جوابنا موحدا  “انا  عراقي مسلم” .. هذا الجواب كلفنا التعذيب ليوم كامل، لكنهم لم يعرفوا من هو السني منا ومن هو الشيعي ، حتى انقذنا اختلافهم فيما بينهم واستطعنا الهرب حينها باعجوبة .

اخذتني ذكرياتي في غفوة صغيرة لم اشعر الا انا  وسط بغداد ، صدمني هول المنظر ، بغداد خالية من سكانها ، بغداد تلك العروسة الجميلة يغمرها السكون ورائحة البارود واطلاقات النار من هنا وهناك . عندها شعرت ان بغداد لم تشهد يوم السلام ولن نحتفل به ، فكانت تلك القصيدة وليدة الحالة المأساوية التي شاهدت فيها بغداد ، نظمتها وانا  جالس على ضفاف دجلة التي استنطقتها عن حالها فلم تجب ..وامتزجت دموعي بمياهها لتشهد على موت الضمير الانساني الذي يتفرج على قتل عروسة العرب .

بغدادُ قدْ ضاقَتْ بِنا السُّبلُ
بغدادُ بعدَ ضَياعِكِ مالَنا أَمَلُ

يا قِبلةَ الرّوحِ في أحداقِ أعيُنِنا
العِشْقُ مِنْ وَجَناتِكِ يَسْتَقي القُبَلُ

هاجَتْ بِنا الأشواقُ يا بغدادُ مِنْ صِغَرٍ
فَلمّا كَبِرْنا أصْبَحَتْ شُعَلُ

دارُ السّلامِ ولا سلامَ لنا بها
أرضُ الحياةِ وفيها الموتُ يَشْتَعِلُ

قَدْ أغْرَقوكِ بِبَحرٍ لا قَرارَ لَهُ
بحرُ الدّماءِ بهِ الصّبيانُ تَنْشَغلُ

اليومُ يومٌ للسّلامِ بهِ احْتَفَلتْ
كلُّ البلادِ وَمَنْ مِنْ عِطرِكِ انْتَهَلوا

وأيْتامُ عُرسِكِ يا بغدادَ قَدْ ذَرَفوا
ماءَ الفُراتينِ بِدَمعٍ باتَ يَنْهَمِلُ

فالعالمُ اليومَ في أيلولَ مُحْتَفِلٌ
يومُ السلامِ ونحنُ فيهِ نَقْتَتِلُ

هَلْ يَقبلُ التاريخُ إنّا نَموتُ كَذا ؟
هَلْ يَقبلُ المنصورُ والمُخْتارُ والفَحَلُ

عبّاسُ يا ساقِي العَطاشى هُنا
أرْضُ العراقِ بيومِ الموتِ تَحْتَفلُ

لَمْ يَدْرِ أيلولَ أنَّ المَوتَ مُنْتَظرٌ
أبناءَ قَومي مِنَ الشبّانِ والكُهُلُ

فَلْيَشْهدِ التاريخُ هَذي حَناجِرُنا
تَرْثي بَقايا بِلادٍ قَومُهُ رَحَلُوا