11705216_692548137545414_775182193754144684_n-660x296

باسم الجابري / العراق

للاسبوع الثالث على التوالي ، يخرج الالاف ، بل الملايين من ابناء الشعب العراقي في العاصمة بغداد وجميع محافظات الوسط والجنوب مطالبين الحكومة العراقية بالاصلاحات السياسية والادارية وابعاد ومحاسبة المفسدين والمجرمين ، ومع الاستجابة الخجولة للحكومة المركزية لتلك المطالب  استشعر المتظاهرون ان هناك مؤامرة تخديرية تمارسها الحكومة العراقية غايتها عدم الرضوخ للمطالب الجماهيرية ومحاولة تمليل المتظاهرين وايصالهم الى مرحلة اليأس ومن ثم تفتيت التظاهرات بدون اي خسارة سياسية او ادارية من قبل رئاسة الوزراء .
لقد استشعرت الحكومة العراقية والكتل السياسية مدى خطورة المد الجماهيري الذي طغى على الجمعتين الماضيتين ، من حيث ازدياد العدد وانتظام المتظاهرين وطرح المطالبات التي يراها الشعب حق من حقوقه المسلوبة خلال الفترة التي حكم بها العراق مجموعة ساسة تناوبوا على ادارة وزارات البلاد دون تحقيق ادنى مستوى من العيش الرغيد او الامن والامان  ، فقامت رئاسة الوزراء بمحاولات بائسة بتغييرات وزارية ودمج عدد من الوزارات عدها الكثير من المحلليل السياسيين انها اجراءات تقشفية لا اصلاحية، فمن يراهم الشعب العراقي انهم سبب الفساد الاداري والمالي في البلاد لايزالوان يتمتعون بمناصبهم السيادية والوزارية دون المساس بها ، كما لا يزال قطار المحاصصة السياسية الطائفية يقود البلاد بمزيد من التشظي والانفلات ، مما حدى بالجماهير في  الجمعة الثانية الى رفع سقف المطالب التي كانت عبارة عن توفير الخدمات واقالة المفسدين الى المطالبة بحل مجالس المحافظات واقالة أعلى هيئة قضائية في البلاد والتي يعتبرها العراقيون الحامي الرئيسي للمفسدين من العقاب وهي مجلس القضاء الاعلى ، اضافة الى المطالبة بابعاد الاحزاب الاسلامية عن العملية السياسية رافعين شعار ” بأسم الدين باكونه الحرامية”
في هذه الجمعة كان هناك سيناريو جديد متوقع من قبل الكثير من المتابعين والمحللين وخصوصا بعد صدور التقرير النهائي للجنة الخاصة بالتحقيق في سقوط مدينة الموصل بيد “داعش” واتهام مباشر لرئيس الوزراء الاسبق وقياداته الامنية ، وان اللجان التنسيقية للمظاهرات اتفقوا على ان الاحزاب الاسلامية ومن يمثلها فشلت في قيادة البلد نحو بر الامان فلابد ان تترك المجال للمجتمع المدني ان يقود ، وهذا مالم ترتضيه تلك الاحزاب ومن يتبعها فعمدت الى ادخال مجاميع من اتباعها تدين بالولاء لرئيس الوزراء الاسبق بمحاولة حرف التظاهرات عن طريقها المرسوم ، فاول عمل عملوه اليوم هو استخدامهم لمكبرات صوت كانت منصوبة في المساجد والحسينيات من اجل التعتيم على اصوات بقية المتظاهرين ، ثم قاموا بتحويل الشعار الرئيسي للمتظاهرين ” بأسم الدين باكونه الحرامية” الى شعار جديد يعكس محاولتهم لسرقة التظاهرات وسرقة جهود المتظاهرين فاطلقوا شعارهم من خلال مكبرات الصوت وهو ” بأسم الدين حاسبنا الحرامية” وكانهم هم من يحاسب السراق والفساد وان بقية الشعب لادخل له بهذا الامر .
حصلت بعض الاضطرابات بين المتظاهرين وهم يشاهدون معممين بعمامة بيضاء وسوداء يتوسطون المتظاهرين وكانهم يرسلون رسالة للمتظاهرين مفادها “نحن من نقود التظاهرات بدلا عنكم وان الحكم الديني هو الحل رغما عنكم” .
احد المتظاهرين انزوى بدموع رقيقة واضعا راسه بين ركبتيه ، لمحتُ في عينية طعم اليأس والندم ، فاقتربت منه احاول ان اتبين رأيه ، أو أواسيه بما يجري ، فبادرني قائلا : ” اعلم انك صحافي او مدون ، اعرفك جيدا ، فاسمع يا اخي وانقل للناس بان المؤسسة الدينية جُرِّبتْ  وفشلت  ،بسببها او بسبب اتباعها او من  وثقت بهم ، فعليها  ان تعتزل وتعطي فرصة للمجتمع المدني  ان يعمل بحرية من اجل انقاذ  نفسه “.
فقلت له : “انهم ايضا عراقيون ويمثلون الدين والمتدينين في البلد ولهم الحق بذلك” .
فقال : “ان من يدعي انه يمثل الدين  وحَكَم بأسم الدين  فهو حُكم اللادين  واللاأخلاق ،وصار لنا تجربة مريرة  ثبت عند الناس كلها ان  الحكم الديني هو حكم لاديني وبامتياز ، فهم يسرقون بأسم الدين  ويقتلون  ويهجرون  ويجوعون  ويدمرون بأسم الدين ، فخروجنا يرجع في الحقيقة الى نصرة الدين ، كي نعيد له احترامه وهيبته ، من خلال  عزله  عن الحكم والسلطة ،  حيث كل من  تصدى ويتصدى  للحكم والسلطة والقرار  يجسد اللادين ويجسد القبح والفساد”.
هنا استشعرت به يريد ان يقول كلمة اخيرة وينهض فصمتُّ فاسحاً له المجال ، فقال :” لازالوا يسرقون منا العراق.. ويريدون ان يسرقوا منا اجيالنا ، انهم يسرقون العراق بكل اديانه واطيافه وقومياته، احكوا تكلموا عن معاناة شعب سرقه ابناءه ، عن معاناة شعب لم يعد قادرا على العيش بكرامة وسط هؤلاء ، احكوا عنا وتكلموا عنا …” .
عندها سمعت احدا يصيح :”من اين نأتي بابو عزيزي اخر ..من اين تأتي بابو عزيزي اخر” .